کد مطلب:335746 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:265

البیان والإنذار
أقامت الدعوة الإلهیة الخاتمة حجتها علی أهل الكتاب، وبینت لهم

أن الله - تعالی - منذ بعث نوحا علیه السلام لم یرسل بعده رسولا ولا نبیا إلا من ذریته، وكذلك إبراهیم علیه السلام فلم ینزل - سبحانه - علی أحد كتابا من السماء، ولا أرسل رسولا ولا أوحی إلی بشر من بعده، إلا وهو من سلالته، قال تعالی: (ولقد أرسلنا نوحا وإبراهیم وجعلنا فی ذریتهما النبوة والكتاب) [الحدید: 26]، وبینت الدعوة الخاتمة أن جمیع الأنبیاء یدعون إلی عبادة الله وحده لا شریك له، قال تعالی: (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحی إلیه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) [الأنبیاء 25]، وأن إبراهیم علیه السلام لم یدع مع الله غیره ولا أشرك به طرفة عین، وتبرأ من كل معبود سواه، ومن ترك طریقة إبراهیم علیه السلام یكون قد ظلم نفسه بسفهه وسوء تدبیره بتركه الحق إلی الضلال، وبینت الدعوة أن إبراهیم علیه السلام وصی بنیه بالإسلام، وبنیه وصوا أبناءهم به من بعدهم، قال تعالی: (ووصی بها إبراهیم بنیه ویعقوب یا بنی إن الله اصطفی لكم الدین فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون، أم كنتم شهداء إذ



[ صفحه 21]



حضر یعقوب الموت إذ قال لبنیه ما تعبدون من بعدی قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهیم وإسماعیل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون) [البقرة: 132 - 133]. وبینت الدعوة الخاتمة بأنها تؤمن بكل نبی أرسل، وأخبرت أن كل من سلك طریقا سوی ما شرعه الله فلن یقبل منه وهو فی الآخرة من الخاسرین، قال تعالی لرسوله: (قل آمنا بالله وما أنزل علینا وما أنزل علی إبراهیم وإسماعیل وإسحاق ویعقوب والأسباط وما أوتی موسی وعیسی والنبیون من ربهم لا نفرق بین أحد منهم ونحن له مسلمون، ومن یبتغ غیر الإسلام دینا فلن یقبل منه وهو فی الآخرة من الخاسرین) [آل عمران: 84 - 85]، وأعلنت الدعوة من یومها الأول أنها علی ملة إبراهیم علیه السلام، قال تعالی: (ثم أوحینا إلیك أن اتبع ملة إبراهیم حنیفا) [النحل 123]، وقال جل شأنه لرسوله صلی الله علیه وآله وسلم: (قل إننی هدانی ربی إلی صراط مستقیم دینا قیما ملة إبراهیم حنیفا وما كان من المشركین، قل إن صلاتی ونسكی ومحیای ومماتی لله رب العالمین، لا شریك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمین) [الأنعام: 161 - 163]. لقد بینت الدعوة الإلهیة الخاتمة للبشریة العقیدة الحقة، وأقامت الحجة علی أهل الكتاب لیتفكروا ولیتدبروا، لیعلموا أن دین إبراهیم برئ من جمیع العقائد التی علیها بصمات العجول وآلهة الأمم المتعددة، وأن دین إبراهیم لا علاقة له بعقائد التثلیث وألوهیة المسیح، ولم تكن مهمة إبراهیم علیه السلام فی یوم من الأیام هی البحث عن المیراث من النیل إلی الفرات، وإنما كان علیه السلام إماما للناس، یقتدون به ویتبعونه فی أقواله وأفعاله، وهذه الإمامة لا ینالها ظالم من ولده، لأن الله لا یجعل الظالمین أئمة، ولا یعطی الإمامة لعدوه، لأن هؤلاء یأتون كنتیجة لأعمال الظالمین من الناس، والله - تعالی - رؤوف بالعباد، والناس تحت مظلة الاختبار یمتحنون، فمن سلك طریقا علی ذروته إمام للرحمة والعدل، وصل إلی غایته، ومن سلك طریقا علی ذروته إمام یدعو إلی النار، دخل فیها.



[ صفحه 22]



وعلی امتداد عهد البعثة الخاتمة، بین الرسول الأعظم محمد صلی الله علیه وآله وسلم، أن شریعته تنهی عن الفحشاء والمنكر وتأمر بالمعروف، وتحذر من البغی والاستكبار والاختلاف، وتنادی بالعدل والإحسان والاستقامة، وتدعو إلی العمل الصالح والتفكر والتدبر والإصلاح والإخلاص، وأن منهج الدعوة عموده الفقری هو التوحید، وشجرته الأخلاق الفاضلة، إلی غیر ذلك من الأوامر والنواهی. وعلم أهل الكتاب وغیرهم أن الأرض لله یورثها من یشاء من عباده، قال تعالی: (إن الأرض لله یورثها من یشاء من عباده والعاقبة للمتقین) [الأعراف: 128]، ولقد اختبر الله - تعالی - الفرع الإسرائیلی من الشجرة الإبراهیمیة، وبعث فیهم الأنبیاء والرسل لینظر - سبحانه - كیف تعمل القافلة، وعلم أهل الكتاب كیف سارت القافلة وبماذا حكم الله علیها، وهذا الحكم یقرأوه فی ما بین أیدیهم من التوراة الحاضرة، ومنه قول الرب لهم: " ها أنذا أنساكم وأرفضكم من أمام وجهی، أنتم والمدینة التی أعطیتكم وآباءكم إیاها، وأجعل علیكم عارا أبدیا وخزیا أبدیا لا ینسی " [1] ، وقال: " هو ذا من أجل آثامكم بعتم، ومن أجل ذنوبكم طلقت أمكم " [2] ، وبین هذا الحكم وبین البعثة الخاتمة، قتلوا الأنبیاء الذین بعثهم الله لإقامة الحجة علی الأجیال المتعاقبة، وعند ما جفت المسیرة من الماء، بعث النبی الخاتم صلی الله علیه وآله وسلم لیختبر الله - تعالی - بمنهجه أمة جدیدة فی مقدمة عالم جدید. وببعثة النبی الخاتم حكمت الدعوة الإلهیة حكمها الفصل علی قصة المیراث، التی سهر علیها بنو إسرائیل لیلا طویلا، وذلك ببسط الدعوة یدها علی المسجد الحرام والمسجد الأقصی فی رحلة واحدة فی لیلة واحدة، قال تعالی: (سبحان الذی أسری بعبده لیلا من المسجد الحرام إلی المسجد.



[ صفحه 23]



الأقصی الذی باركنا حوله) [الإسراء: 1]، فالمیراث بدأت حدوده من موضع سجود، وانتهت إلی موضع سجود، وهو ممتد إلی كل موضع سجود، ولیس معنی هذا أن الدعوة الخاتمة تبحث عن الأرض والطین، وإنما معناه أنها ترعی التقوی فی أی مكان، وتعمل من أجل الإصلاح فی كل مكان، ترعی التقوی لأن العاقبة للمتقین، وتعمل من أجل الإصلاح حتی یرث الصالحون، قال تعالی: (ولقد كتبنا فی الزبور من بعد الذكر أن الأرض یرثها عبادی الصالحون) [الأنبیاء: 105]. ولأن الدعوة تقوم علی التوحید، ولأن التوحید هو الحصن الحصین الذی یحفظ الإنسان من الزلل، قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: " والذی نفس محمد بیده، لا یسمع بی أحد من هذه الأمة، یهودی ولا نصرانی، ثم یموت ولم یؤمن بالذی أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار " [3] وروی أنه صلی الله علیه وآله وسلم ذهب إلی یهود، وقال لهم: " یا معشر الیهود، أسلموا تسلموا "، فقالوا: قد بلغت یا أبا القاسم، فقال: " أسلموا تسلموا "، فقالوا: قد بلغت یا أبا القاسم، فقال: " ذلك أرید "، (أی أرید أن تعرفوا أنی بلغت)، ثم قال لهم: " اعلموا أنما الأرض لله ولرسوله، وأنی أرید أن أجلیكم من هذه الأرض، فمن وجد منكم بماله شیئا فلیبعه، وإلا فاعلموا أن الأرض لله ولرسوله " [4] ، فالرسول صلی الله علیه وآله وسلم بلغ بالاسلام، ولكن القوم كانت عیونهم علی الأرض والطین، لأنهم من أجل هذا المیراث یعملون، فوقفوا بما یعتقدون أمام القول الفصل وهو: " اعلموا أن الأرض لله ورسوله "، ولم یكن الجلاء من جزیرة العرب عقابا وحیدا للذین یصدون عن سبیل الله وإنما أنذرهم الله بعقاب ألیم فی الحیاة الدنیا والآخرة، قال تعالی: (یا أیها الذین أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها علی أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولا) [النساء: 47]، قال فی.



[ صفحه 24]



المیزان: " دعاهم الله - تعالی - إلی الإیمان بالكتاب الذی نزله مصدقا لما معهم، وأوعدهم بالسخط الذی یلحقهم لو تمردوا واستكبروا من طمس أو لعن یتبعانهم اتباعا لا ریب فیه، وطمس الوجوه: محو هذه الوجوه التی یتوجه بها البشر نحو مقاصدهم الحیویة مما فیه سعادة الإنسان المرتقبة والمرجوة، وهذا المحو لیس هو المحو الذی یوجب فناء الوجوه وزوالها، بل محو یوجب ارتداد تلك الوجوه علی أدبارها، فإذا كانت الوجوه تقصد مقاصدها علی الفطرة التی فطر الله الناس علیها، فإن الوجوه المطموسة لا تقصد إلا ما خلفته وراءها، ولا تمشی إلیه إلا القهقری، وهذا الإنسان الذی یسیر فی غیر اتجاه الفطرة، كلما توجه إلی ما یراه خیرا لنفسه وصلاحا لدینه ودنیاه لم ینل إلا شرا وفسادا، وكلما بالغ فی التقدم زاد فی التأخر، ولیس بفالح أبدا، وقوله تعالی: (نطمس وجوها) فیه أنه - تعالی - أتی بالجمع المنكر، ولو كان المراد الجمیع لم ینكر، ولتنكیر الوجوه وعدم تعیینها هدف من ورائه حكمة، هی أن المقام لما كان مقام الإبعاد والتهدید، وهو إبعاد للجماعة بشر لا یلحق إلا ببعضهم، كان إبهام الأفراد الذین یقع علیهم السخط الإلهی أوقع فی الإنذار والتخویف، لأن وصفهم علی إبهامه یقبل الانطباق علی كل واحد من القوم، فلا یأمن أحدهم أن یمسه هذا العذاب " [5] .


[1] أرميا: 23 / 40.

[2] المصدر نفسه: 17 / 2 - 4.

[3] رواه مسلم، الصحيح: 1 / 93.

[4] المصدر نفسه: 5 / 159.

[5] الميزان: 4 / 367.